عن فشل المنتجات نتحدث..

لماذا قد يفشل منتجك؟ هل فكرت في هذا من قبل؟ هذا ليس عَرَضا سيئا من متلازمة المهندسين في توقع الأسوأ دائما والبناء على أسوأ الافتراضات، ولكنه من الحكمة التعلم والاستفادة من تجارب الآخرين قبل تكرارها والاستفادة مما تعلموه من قبل بالطريقة الأصعب.

في العام الماضي قدمت محاضرة تحت هذا العنوان عبر مجتمع طفرة بالاشتراك مع أستاذتنا استشارية المنتجات المهندسة غادة ماهر حيث قمنا باستعراض دراسات حالات محلية وعالمية عن هذه الظاهرة. وقد سألني أكثر من واحد بعدها عن ملخص لتلك المحاضرة المتاح مادتها هنا، وسأحاول هنا إيجاز أهم ما جاء بها من نقاط.

هل لك أن تتخيل أن 92% من الشركات الناشئة تفشل في خلال 3 أعوام؟ وذلك وفق إحصائيات ستارتب جينوم. أما رابطة تطوير وإدارة المنتجات فتقديراتها أقل حدة حيث أشارت في تقريرها إلى نسبة فشل للمنتجات تتراوح بين 35% و 49% بحسب المجالات المختلفة لهذه المنتجات. تلك النسب المتفاوتة ما زالت صادمة. لذا صدرت العديد من الدراسات والأبحاث لتحليل ومعرفة أسباب هذه الظاهرة. أحدها تقرير مؤسسة نيلسين عن فشل الابتكارات، حيث أرجعتها إلى ثلاثة أسباب رئيسية:
1- تجاهل معالجة احتياج واسع للعملاء.
2- عدم تقديم تجربة مستخدم مُرضية.
3- تسويق غير كاف.
يمثل السبب الأول شطر كبير من أسباب الفشل المشترك بين دراسات عدة أخرى. وهو سبب كبير يندرج تحته العديد من الأسباب الفرعية التي يقع فيها الكثير من رواد الأعمال ومديري المنتجات قبل أن يكتشفوا بالطريقة الصعبة أهمية تبني مبادئ الشركات الناشئة المرنة lean startups وتطوير العملاء. وهذا هو ما قد وقعت فيه من قبل أيضا.

لنأخذ القصة من البداية: كيف بدأ المنتج؟
القصة الأكثر التقليدية في هذا المجال هي عندما يأتيك الإلهام فجأة بالفكرة الرائعة الجهنمية التي ستزعزع العالم وتغير وجه الصناعة وعالم الأعمال في الكوكب، حيث تظل تتمادى في الحلم وبناء الرؤية الكبيرة والطموح الواسع - وهو أمر جيد بالمناسبة إذا لم تكتف به فحسب.

ما يحدث بعد ذلك أنك تنطلق من هذه الفكرة وتشرع في دراسة السوق وتحليل المنافسين وتحديد موضعة منتجك بينهم بتخطيط المزايا الرائعة التي سيفتقدها عملاؤك في المنتجات الأخرى. هل قلت "عملاء"؟ لا لم يحن وقتهم بعد!

تأخذ بعد ذلك في بناء فريقك من أحسن المطورين والمصممين والمسوّقين في المدينة، وتهيئ لهم أفضل بيئة عمل تضاهي مثيلاتها في وادي السيليكون، وتظل تخطط وتبني وتطوّر وتبتكر وتخترع وتغير وتعدل ثم تضيف خصائص أخرى ثم تحسّن عليها ثم تضيف المزيد من التحسينات ... إلى أن تأتي اللحظة التي تقول فيها - ها نحن الآن قد وصلنا وقد حان وقت ميلاد المنتج السعيد - الذي تعامله كطفلك الصغير الذي ترعاه وتخشى عليه, وتبدأ في الإعداد لإقامة احتفالات الإطلاق الذي طال انتظاره لشهور وشهور شهور.

ثم تأتي المفاجأة ...

لقد نزل المنتج للأسواق بقوة .. ولكن أين العملاء .. أين العملاء .. ؟
النتيجة: لم يأت أحد! فقط صحراء جرداء لا صوت عميل فيها ولا نداء.

وهكذا عزيزي القارئ تفشل معظم المنتجات!

ماذا كان الخطأ - أو الأخطاء هنا؟

لقد استهلك الموارد واستنزفت التمويل وأنفقت الكثير على البناء والتطوير على مجرد فكرة! الجميع لديه أفكار وجميع الأفكار رائعة - لكنها مجرد وهم ما لم تقم بالتحقق منها. والتحقق هو نزول السوق واختبارها كما حدث معك. فالبحر هو الاختبار الوحيد لكل من يدعي الغطس. ولكن هناك طرق أكثر اقتصادا وتوفيرا من بناء منتج كامل لاختباره في بحر السوق والنظر هل سينجو أم يغرق.

معظم المنتجات عزيزي تفشل من نقص العملاء وليس نقص الخصائص.

فبالعودة لأساسيات المبادئ المرنة فإن كل فكرة هي فرضية عليك اتباع النهج العلمي للتحقق منها واختبارها قبل استثمار الموارد في بنائها
ينفق معظم الرواد طاقاتهم في تطوير المنتج ويتناسون قبله تطوير العميل نفسه، وهي تلك الدورة التي ينبغي أن تمر بأهم مرحلتين فيها وهما استكشاف العميل والتحقق من احتياجه قبل أن تبني شيئا لا يحتاجه حقا.
عندما يكون العميل هو نقطة البداية لديك فستتمكن من دراسة احتياجاته الفعلية، وما إن تحققت منها فلن تبني إلا منتج الحد الأدنى الذي يلبي تلك الحاجة الرئيسية التي يكاد ينفد صبره بانتظارها وسيتغاضي عن أي نقص أو مشاكل أخرى في سبيل تلبية ذلك الاحتياج والتغلب على نقطة ألم لديه وتحقيق مكسب ما ينتظره.

كان هذا ملخصا لتجربة شخصية ودراسات واقعية عن فشل المنتجات، أما كيف تتجنب ذلك وتقوم فعلا بالتحقق من كل مبادرة تعزم على الخوض فيها بأن تفهم دورة حياة العملاء قبل أن تبني لهم ما قد لا يتحتاجونه، فسيكون لك ذلك حلقات أخرى..

Comments

Post a Comment

Popular Posts